هل دقت في دبي ساعة زحف الرمال على أشهر الإمارات العربية المتحدة.. الإمارة التي تتنافس على الموقع الأول عالميا وعلى تشييد أعلى برج في العالم لم تصل بعد مرحلة الإفلاس، لكنها توجد تحت طائلة مديونية مفرطة، منذ أن طلبت مجموعة "دبي الدولية"، التي تقود المشاريع الاستثمارية في دبي وتستثمر في المغرب بواسطة فرعها "إعمار"، إرجاء أجل تسديد ديون مستحقة في شهر دجنبر الحالي إلى ما بعد 6 شهور. إمارة دبي تبحث في الوقت الراهن سبل إعادة جدولة ديون على ذمة "دبي الدولية" تتجاوز 59 مليار درهم. الإعلان أحدث رجة في أسواق المال خلال الأسبوع الماضي وموجة هلع في جل بورصات العالم، سيما أن مجموع ديون دبي التي تفتقر إلى ثروات نفطية تقدر بـ90 مليار درهم، وهي تمثل قيمة إجمالي الناتج الداخلي للإمارة. مؤسسات مالية وبنكية دولية عديدة منكشفة على أزمة دبي الحالية، كونها تساهم في تمويل مشاريع ضخمة في إمارة دبي بعشرات ملايير الدولارات.
أزمة دبي كانت متوقعة، في تقدير الخبير الاقتصادي أنس الحسناوي، رغم أن حكامها جاهدوا في إخفاء آثار الأزمة الدولية منذ أزيد من سنة، حفاظا على إيقاع النمو وعدم ارتهان مستقبل الإمارة، ومشاريعها الضخمة المبرمجة في قطاعات العقار والسياحة والخدمات. لكن الارتفاعات المهولة التي بلغتها أسعار العقارات بفعل الطلب لم تكن مبررة. الإمارة لم تكن تتوفر، في تقدير الحسناوي، على غطاء مالي أو ثروات نفطية، تسمح بتفادي الأزمة على قطاعات تعد الأكثر تضررا من الأزمة. علاقة دبي بإمارة أبو ظبي الغنية بثروات النفط شكلت الضمان الوحيد منذ أن رحل الشيخ زايد بن سلطان. حدة الأزمة الحالية جعلت حكام الإمارات يرفعون أخيرا ضماناتهم الشكلية للديون المتراكمة على دبي، بفعل حالة الكساد ويقررون إعادة هيكلة مالية للتخلص من فوقعات عديدة تضخمت في ظرف بضع سنوات بفعل المضاربات المالية والعقارية.
التحليلات التي أعقبت صدمة دبي تتلخص في 5 أسباب رئيسية تقف وراء أزمة المديونية المفرطة للإمارة.
إمارة غير نفطية
غياب ثروات نفطية دفع حكام دبي إلى تنويع أنشطة الإمارة اعتمادا على تشجيع قطاعات العقار والبناء السكني والنشاط السياحي والتسويق وتطوير السوق المالي وقطاع الخدمات. فالموارد النفطية لا تتجاوز حصة 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام لإمارة دبي، لكن التدفقات المالية لدول الخليج عموما وإمارة أبو ظبي بشكل خاص وجدت في مشاريع ضخمة بدبي توظيفات مواتية. الموقع الجغرافي للإمارة كبوابة عبور ساعد على إنجاح الإستراتيجية المتبعة، حيث أضحت الإمارة في ظرف بضع سنوات نموذجا فريدا في منطقة الخليج، لكنها وقعت ضحية نجاحها حين شرعت في نسج خطط مشاريع عملاقة توجه في معظمها إلى الطلب الخارجي، مشاريع عقارية في غالبيتها من قبيل مشروع النخيل السكني على سطح البحر، المدينة الكونية والمدينة الرياضية والمدينة الإيكولوجية... مشاريع من نسج خيال واسع، لكنها كانت تجد ممولين ومساهمين محليين وأجانب.
الفقاعة العقارية
الأبراج المشيدة والمشاريع السكنية الفخمة تسوق بشكل رئيسي في الخارج وتستهدف فئات من الأغنياء ومن ذوي الدخل المرتفع. توقف تدفقات الأموال بسبب الأزمة الدولية وتراجع أسعار النفط أضرا بقطاع العقار، حيث فقد سوق العقار بدبي 50 إلى 70 في المائة من حجم رواجه في بضعة شهور. ما جعل أسعار العقار في دبي تتراجع بشكل ملموس، على مدى سنة تقريبا، لتؤدي في نهاية المطاف إلى توقف عدة أوراش وإلغاء مشاريع كبرى كانت مبرمجة بسبب فقدان الثقة وشح الموارد.
النخيل، أحد الأذرع الرئيسية لمجموعة دبي الدولية والتي تشرف على مشروع سكني فخم على هيئة جزر من النخيل وعدة أبراج سكنية يقارب علو أحد بناياتها ألف متر، قامت منذ فترة قصيرة بتسريح 500 عامل.
المضاربة المالية
سوق دبي المالي فتح الإمارة على تدفقات رؤوس الأموال، بما في ذلك الأصول المالية المسمومة التي وجدت في إمارة دبي مرتعا للمضاربة والمردود السريع، السوق لم تكن متطورة بشكل كبير، يضاهي البورصات العالمية ولا يتفوق على سوق البحرين مثلا، لكونه موجها بحصة كبيرة إلى المضاربات العقارية، التي تجتذب فوائض النفط بمنطقة الخليج، لكن رؤوس الأموال ستشح بعد تهاوي أسعار النفط في العام الماضي، إذ خسر السوق المالي نسبة 67 في المائة منذ بداية العام الجاري، كما أن توظيفات الإمارة خارج سوق دبي تكبدت خسائر فادحة في عدد من البورصات الأوربية والأمريكية، تقدر بملايير الدولارات.
تداخل المال العام والخاص
يعتبره بعض المحللين إحدى الهفوات التي يقوم عليها النظام الاقتصادي في إمارة دبي، بالنظر إلى أن تداخل أموال الدولة بما في ذلك أموال الأمراء وحكام الإمارة مع الرساميل الوافدة في إنجاز مشاريع ضخمة، شكلت ضمانا للبنوك وصناديق التمويل المحلية والأجنبية حتى في غياب الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع. غير أن شح موارد الدولة الفدرالية (الإمارات العربية المتحدة) في الظرف الحالي، خاصة بعد تراجع أسعار النفط، جعل المستثمرين الخواص أقل جرأة على المخاطرة. فشركات دبي انحدرت في تنقيط وكالة "ستاندار أند بورز" التي أعادت ترتيب 5 شركات تابعة للإمارة منذ إعلان هذه الأخيرة عن طلب جدولة الديون.
صراع الشيوخ
في أعلى هرم السلطة بالإمارات العربية المتحدة يوجد صراع خفي بين حكام إمارتي دبي وأبو ظبي، رغم أن هذه الأخيرة التي تعتمد بشكل رئيسي على موارد النفط تعتبر الممول الرئيسي للمشاريع الضخمة في دبي، وهي الملاذ الذي لجأت إليه دبي في حالات العسر، حيث ضخت أبو ظبي في شريان دبي 15 مليار دولار منذ بداية العام الجاري. لكن أبو ظبي كانت دوما تنظر إلى دبي بمزيج من القلق والحسد، طالما أن قصة نجاح إمارة دبي شدت إليها إعجاب العالم واستطاعت رغم افتقارها إلى النفط من جلب اهتمام المستثمرين ورجال الأعمال والمشاهير من مختلف بقاع العالم. أبو ظبي أعلنت مؤخرا أنها لن تتحمل شراء ديون الإمارة، وإنما جزءا منها فقط، إذ إن عيون حكام أبو ظبي في هذه المرحلة تتطلع إلى "جواهر" لازالت تتزين بها دبي على رأسها شركة "طيران الإمارات" ومجموعة "دبي للموانئ".
الخبير المغربي أنس الحسناوي أكد أن أزمة دبي قد تنتهي بتغيير المالكين للشركات الكبرى من إمارة دبي إلى إمارة أبو ظبي، ودخول هذه الأخيرة بشكل أقوى، مستفيدة من مداخيلها النفطية، كما توقع بروز مساهمين جدد من صينيين وهنود استفادوا من موقع دبي كسوق لترويج بضائعهم عبر العالم. دبي لن تصل في تقديره إلى مرحلة الإفلاس، فهي تحتفظ بمزاياها الإستراتيجية وموقعها العالمي، ونفور رؤوس الأموال والشركات العالمية منها في الوقت الراهن يعود بالأساس إلى ظرفية الأزمة والمشاكل التي تتخبط فيها هاته الشركات.